إني أرى مصر وكأنما قد تعرضت في وقت واحد لضربة إعصار من ماركة تسونامي، مع زلزال بأقوى ما يستطيع الأخ ريختر أن يسجل، علاوة على ضربه كيماوية ساحقة أنزلها بها الأعداء).
هكذا كان رد الكاتب "أسامه غريب" بعد عودته من كندا والتي أقام بها 5 سنوات وذلك في إجابته على تساؤل احد أصدقائه حول رأيه في الحالة السياسية والاجتماعية التي أصبحت عليها مصر الآن.
وراح كاتبنا يفسر جملته في كتابه (مصر ليست أمي دي مرات أبويا) شارحا رؤيته الساخطة على الحالة التي وصلت إليها مصر..
تصريحات هوائية
في 10 فصول تضمنها الكتاب؛ استطاع الكاتب أن يلفت نظرنا من خلال صفحات كتابه إلى أشياء تبدو بسيطة إلا إنها تحمل بداخلها الكثير؛ فهو مثلا يتحدث عن مثل أسماء بعض الشوارع وأصل تسميتها، فهو يتساءل بينه ونفسه حول سبب تسميه عدد كبير من الشوارع بأسماء شخصيات لم يكن لها أي تأثير في المجتمع المصري، مثل (شارع هياتم بالإسكندرية)!.
وتحت عنوان "أصدقائي"، راح يبين للقارئ كم أنه أثناء إقامته في كندا شاهد بنفسه حرامية مصر والذين هربوا خارج البلد وكيف ينعمون بهذه الأموال الهاربة.
ثم ينقل لنا ما لفت نظره عن التصريحات الزائفة للحزب الوطني، التي تصدر منه كل عام بنفس الكلمات حول استعداد مصر لدخول عصر اليورانيوم وبناء مفاعلات لتوليد الطاقة.. إلا أنه وكما أوضح الكاتب يمر عام وراء عام ولا نجد أنفسنا قد دخلنا هذا العصر أو أي عصر آخر!.
ولم ينس الكاتب أن يلقى الضوء على رأي الرجل البسيط في الوزراء الذين وضعت في أيديهم زمام أمور كثيرة، وذلك من خلال حوار عميق دار بينه وأحد بائعي الفول، رصده أسامه غريب بدون أي حذف وفيه تهكم شديد على عدد كبير من الوزراء.
في فصل (أصدقاء كده وكده)، ينقل لنا المؤلف مدى صدمته في إناس لطالما اعتبرهم أصدقائه، وراح يشرح كيف أن المصلحة باتت ترتبط بالصداقة، ويحكي كيف أنه تعرض للإهانة وعمليات نصب مغلفه بورق سوليفان لامع اسمه الصداقة الزائفة.
فتح مخك
أثناء إقامة مؤلف الكتاب في كندا كان متابعا لكل الأحداث على الساحة المصرية وتابع بشغف كم الحوادث التي راح ضحيتها المئات، وحينما عاد تعرف عن قوانين المرور الجديدة والزيادة المضافة إليها تحت مبرر تقليل عدد الحوادث، إلا أن غريب كان له رأي آخر، فقد أكد أنه ضد زيادة غرامات المرور لأنه في النهاية المستفيد الوحيد هم المسئولين عن طريقين أما عن طريق تحصيلها للحكومة أو الطريق الآخر وهو(تفتيح المخ) من المخالف طبعا.
توقف غريب كثيرا عند الفيلم الإسرائيلي الذي صور المصريين الأسرى يتعذبون بأيدي الإسرائيليين، وراح يلعن موقف احمد أبو الغيط حينما طالب بالتحقيق مع هؤلاء الجناة، وتوجه الكاتب بسؤاله إلي أبو الغيط قائلا: "كيف تطالب إسرائيل بالتحقيق وتقديم أحكام الإدانة لأبنائها؟".
ولكن عاد أسامه من تساؤله وأفاق على موقف الحبيب بورقيبة وكيف أنه كان أول حاكم عربي يدعو للاعتراف بإسرائيل ووصل به الأمر لإلغائه قانون تعدد الزوجات بتونس وإباحته الإفطار في رمضان بحجه أن الصيام يقلل الإنتاج، بل وظهر على الشاشات في نهار رمضان وهو يفطر.
وتتوالى فصول الكتاب الذي راح الكاتب يشرح فيه تفصيلات صغيرة بعمق ومغزى.. فيصب لعنته على موقف الحكام العرب مما يحدث في لبنان وكيف أن السادة الدبلوماسيين يربطون دوما بين حفلات الكوكتيل ومآدب الشرب وبين عملهم.
ويتساءل غريب في بساطه عميقة كم أن مصر الآن باتت محفوفة بالمخاطر وأسباب الموت التي تنعدم في كل الأماكن إلا في هذه الخرابة المسماة وطن، فكم إنسان يموت من الأسلاك الكهربائية والقطارات..، وينهى بسؤال استنكاري هو.. ألا تكفي سرطانات يوسف والي؟
تحدث غريب كذلك عن سياسة بيع ممتلكات الشعب المصري وأنه ينتظر بيع الأراضي الصحراوية والزراعية، واستهجن الربط بين التقدم الاقتصادي والسياحة مستندا إلى دول عديدة قامت حضارتها على الزراعة والصناعة، أما نحن فقد استوردتا القمح والذرة من الخارج وأغلقنا المصانع وشردنا العمال!.
سياسي ساخر
الكتاب في مجمله سياسي ساخر، ساخط على كل السلبيات الموجودة في المجتمع المصري، وإن كان قد لمح إلى تخاذل الحكام العرب بصفة عامة إلا أن تركيزه الأكثر كان على مصر أمه أو على حد تعبيره مرات أبوه.
أجرينا اتصالا هاتفيا بالكاتب لنسأله عن مغزى غلاف كتابه الذي يتصدره صورة راقصه وثلاثة من العازفين، فأوضح أنه قصد أن يكون الغلاف مبهما، ومؤكدا أن القارئ سيلمح المغزى حينما يقرأ الكتاب.
وعن الروح التشاؤمية التي سيطرت على المناخ العام للكتاب أجاب غريب متسائلا: "وهل هناك ما يدعو للتفاؤل ولم أذكره؟!".
منقول للامانه